
الكتاب يمثل دراسة شاملة حول كيفية تعامل أجسامنا وعقولنا مع الصدمات وكيفية تأثيرها على صحتنا بشكل لم يكن مفهومًا من قبل.
الصدمات وتأثيرها الجسدي يبدأ الكاتب بتوضيح فكرة محورية: أن الصدمات النفسية لا تقتصر على الألم العاطفي أو الذكريات السيئة، بل تتعدى ذلك لتتجسد فعليًا في الجسد. يقدم الدكتور ڤان دير كولك أدلة علمية على أن العقل البشري يحتفظ بتجارب الصدمات بشكل حسيّ، فتتكون نوع من "ذاكرة الجسد"، حيث تصبح الصدمات مشفرة داخل الجسم. الأعراض مثل القلق، الشد العضلي، وحتى بعض الأمراض المزمنة، قد تكون نتيجة لهذه الصدمات المتراكمة التي لم تُعالج بشكل صحيح. يساعد هذا المفهوم على فهم لماذا يعاني بعض الأشخاص من مشاكل صحية مستمرة دون سبب جسدي واضح، حيث يكون السبب متجذرًا في الذاكرة العاطفية للجسم.
الأبحاث العلمية والقصص الإنسانية يتميز الكتاب بدمج دقيق بين الحقائق العلمية والقصص الإنسانية، حيث يقدم ڤان دير كولك شرحًا مبسطًا للأبحاث المعقدة حول الدماغ والجهاز العصبي، فيعرض وظائف مناطق معينة من الدماغ مثل اللوزة الدماغية (Amygdala) والقشرة الأمامية (Prefrontal Cortex) ودورهما في التحكم بالعواطف وردود الفعل تجاه الصدمات. إلى جانب هذا الجانب العلمي، يسرد قصصًا حقيقية لمرضى عانوا من آثار الصدمات، ويظهر من خلالها كيف أثرت هذه التجارب على حياتهم اليومية وسلوكهم وعلاقاتهم.
تقنيات العلاج والشفاء الكتاب لا يقتصر على تحليل الصدمات وتأثيرها، بل يقدم مقترحات عملية للشفاء، ما يجعل منه دليلاً توجيهياً ذا قيمة عملية. يناقش الكاتب أساليب علاجية متنوعة أثبتت نجاحها في مساعدة المصابين على مواجهة الصدمات والتعافي منها، مثل العلاج بالتعرض (Exposure Therapy)، والعلاج المعرفي السلوكي (CBT)، والعلاج الحركي عبر الجسم، وتقنيات جديدة مثل العلاج بحركة العين وإعادة المعالجة (EMDR). من خلال هذه الأساليب، يشجع الكاتب القراء على تبني نهج شامل يعتمد على ربط الجسم والعقل معًا لتحقيق الشفاء.
العلاج بالحركة والتنفس من الأفكار الرائدة في الكتاب تسليطه الضوء على أهمية الحركة والتنفس العميق كوسيلة لاستعادة التحكم في الجسد والعقل، حيث يساعد التنفس العميق والحركة المدروسة، مثل اليوغا، على تهدئة الجهاز العصبي وإعادة التوازن إليه بعد التعرض للصدمة. يطرح الكاتب أن هذه الوسائل ليست مجرد تقنيات استرخاء، بل تعتبر أدوات علاجية فعّالة تُحفّز الجهاز العصبي على الاستجابة بشكل صحي، مما يساعد في تقليل الشعور بالقلق واستعادة السلام الداخلي.
فهم عميق للتأثيرات على الأطفال يخصص الكتاب جزءًا مهمًا من محتواه للحديث عن تأثير الصدمات على الأطفال، حيث يظهر كيف أن التجارب المؤلمة في الطفولة تترك آثارًا عميقة يمكن أن تستمر مدى الحياة. يفصّل ڤان دير كولك كيف تؤثر الصدمات على تطور الدماغ لدى الأطفال، مشددًا على ضرورة تقديم الدعم العاطفي والنفسي لهم في مراحل مبكرة. ويؤكد على أهمية التدخل العلاجي المناسب للأطفال لتفادي آثار الصدمات المستقبلية، موضحًا كيف يؤثر الأطفال في بيئة غير مستقرة أو عنيفة على جهازهم العصبي ومزاجهم وتكوينهم النفسي.
أسلوب سردي وجذاب رغم أن الكتاب يعالج موضوعات علمية معقدة، إلا أن أسلوب ڤان دير كولك في الكتابة يجعله ممتعًا وسهل المتابعة. لغته عذبة وواقعية في الوقت نفسه، يحترم مشاعر القراء ويساعدهم على التفاعل مع المحتوى بسلاسة. يستند الكاتب إلى أسلوب قصصي حين يعرض تجارب مرضاه، مما يجعل النصوص نابضة بالحياة وملهمة، خاصة عندما يظهر تفاصيل كيفية إعادة بناء حياتهم بعد مواجهات مع الماضي المؤلم.
في النهاية "جسمك يتذكر كل شيء" هو كتاب متكامل يُعلم القارئ عن العلاقة الوثيقة بين العقل والجسد وكيفية تأثير الصدمات النفسية على صحتهما. إنه دعوة للتصالح مع التجارب المؤلمة، ودليل عملي للعلاج، من خلال تقديم استراتيجيات مدروسة تمزج بين العلوم النفسية والنصائح العملية لاستعادة التوازن النفسي. الكتاب يلهمنا لنسأل أنفسنا: كيف نتعامل مع الصدمات التي مررنا بها؟ وكيف يمكننا أن نجد طريقنا للشفاء؟
- لطلب الكتاب : جسمك يتذكر كل شيء - د. بيسيل فان دير كولك
- الناشر : دار الكرمة